لأنو الأصلي ضيان أكتر
قانا...آه في نيسان
مهداة إلى روح الشهيد حسن بلحص
ولد عام 1995 - استشهد عام 1996
كلما كتبت كلمة عن قانا، أجد قلمي يشطبها بغضب قائلاً: أتحسب نفسك تكتب عن أي قرية أخرى في البلاد؟؟ إنها قانا الجليل يا فتى. إنها قانا الجليل.
حين كان حسن ابن الربيع الواحد نائماً على صدر أمه في خيمة الأمم المتحدة، لم يخبره أحد أن الموت قد انتهى لتوه من إعداد جحافله ليغزو بها قانا وينهش أجساد أطفالها ونسائها. نسيوا أن يخبروه أن الكون لا يتمحور حول صوت أمه ودفئها. نسيوا أن يخبروه أن العدالة في الدنيا هي أكذوبة اخترعناها لنرضي بها ضميرنا إذا ما أنبنا يوماً. وطبعاً نسيوا أن يخبروه أنه ليس هناك من يحميه في زمن الحرب، لا أمه ولا أكبر مهزلةٍ دوليةٍ في العالم "الأمم المتحدة".
كانت أم حسن تغني لابنها الذي لم ير الفصول الأربع بعد، وهي تحلم أنه سيكبر ويصبح طبيباً أو ربما محامياً. كانت تحلم كيف ستبكي فرحاً يوم زفافه، وكيف ستملأ الحارة زغاريداً "حسونة حبيب قلب إمو وشيخ الشباب تجوز".
وبقيت الأحلام أحلاماً...
وما هي إلّا دقائق حتى انهمرت قنابل الحقد على الخيمة التي كانوا يحتمون بها لتفضي البشر أشلاءاً. يُقسم كل أهالي قانا أن الزمن وقف للحظاتٍ على أنين حسن وهو يصرخ ألماً. فهو لم يتصور أبداً أن هناك من يفرح بألمه وينتشي بقتله. في 18 نيسان، طُعن العدل في الصميم بينما كان آتياً مشياً إلى قانا وما زال يستدل على مفارقها. وكما حضنت أم حسن ابنها يوم ولد، حضنته أيضاً يوم أخذه الموت...وماتت هي الأخرى فوقه ودماء حسونة شيخ الشباب تملأ وجهها.
وكأن الموت لا يشبع أبداً من أهل قانا. عشر سنواتٍ يتربص بالقرية وينتظر للقضاء على من نجا من المجزرة الأولى. وكأنه لا يشبع أبداً، عاد ليتمخطر في شوارع قانا كالفاتح المنتصر. في عام 2006، وعلى مرأى العالم كله، حصلت مجزرة قانا الثانية. لم تكد الدموع تجف على شهداء مجزرة 1996، حتى وقعت مجزرة 2006. إنه الموت الذي لم يشف غليله من أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ حتى عاد ليبحث عنها مجدداً. هذه القرية التي قام السيد المسيح بأعجوبتين على ترابها، هي نفسها التي قام قتلة المسيح بمجزرتين فيها، والعالم كالأبله يكتفي بالتنظير والشجب والتنديد.
عذراً حسن، لقد ندد العالم بالمجزرة وعاد إلى النوم. عذراً يا من كان يجب أن يكون عمرك 22 عاماً الآن.
يا أهلي وشهدائي وأحبائي في قانا...ارقدوا بسلام
في قانا الموت ألوانا
كل لونٍ فيه أردانا
لم يموتوا بل استشهدوا
ما الموت والشهادة سيّانَ
كتابة: شادي ذبيان