Wikileaks El Asli -- ما في شي بحمص...‏

    ما في شي بحمص...



صعد سيد المقاومة إلى المنبر، ارتشف جرعة من كوب الماء امامه كالعاﺩة، وقال للجماهير المنتظرة: ما في شي بحمص.‏

ليس بعيداً عنه كثيراً، على بعد قضيةٍ ونّيف، كان هناك رجلٌ كهلٌ من اهالي احياء حمص القديمة يسمعه. كان شاحب الوجه، يقبع في احدى زوايا ذاك القبو في منزله الذي استحال ملجأ العائلة منذ بضعة اسابيع. ملجأ العائلة...أو ما تبقى منها أحياء.‏

ورغم التعب ورائحة الموت العابقة في الأرجاء، لم يستطع النوم ليلتها. امضى ساعاته الطويلة يفكّر كيف يمكن لرجل قدّم ابنه شهيداً في وجه الغطرسة والقمع والظلم والاستبداﺩ، أن يضرب بعرض الحائط وجع شعب كامل يحلم بالحرية وغد أفضل.‏

ماتت حمص اليوم. ماتت حمص وماتت أرصفتها، وخرائطها، وأصوات بائعيها الذين حاكوا الشوارع، وضحكات أطفالها التي زيّتنت الكون ألواناً، والمقاعد التي التقى عليها العشاق، والمقاهي التي تصدح بالضحكات كلما تجالس صديقين، والنسائم التي بعثرت الأحزان بالأفراح، وأحلام مراهق يجوب شوارعها، ورندحات أم تخفف ألم المرض عن ابنها الرضيع، وطقطقات نعل فتاةٍ ترتدي فستاناً أبيضً أمام المرآة كل يوم، وطرائف تلميذ طائشٍ في المدرسة، وخجل فتاة بعد قبلتها الأولى.‏

ماتت حمص وماتت أهلها.‏

كان هناك طفل يرضع من ثدي أمه.‏
كان هناك عيون تنظر إلى السماء وتحلم.‏
كان هناك كون يدور حول نفسه هناك.‏
كان هناك أكواخ وعشق وشفاه تبتسم.‏
كان هناك مدينة، أمّا الآن...ما في شي بحمص.‏

كتابة: شادي ذبيان
آذار 2012