Wikileaks El Asli -- هكذا انتصرنا على اسرائيل

   هكذا انتصرنا على اسرائيل



ست سنواتٍ خلت على حرب تمّوز، وما زال البعض منّا غير مقتنعٍ بأن اسرائيل تلقّت أقوى صفعة في تاريخها. لأول مرةٍ تفشل أقوى دولة في المنطقة في تحقيق ولو هدف واحد من أهدافها المرسومة طوال ٣٣ يوماً. كرامتي التي كانت قد سرقت مني على مدى عشرات السنين، استعدتها في ٣٣ يوماً فقط. في تموز عام ٢٠٠٦، هزمت اسرائيل للأسباب التالية: ‏

أولاً، سلاح المشاة. يوم بدأت الحرب على لبنان، كان الجيش الاسرائيلي ما زال يعيش بأوهام غولدامائير، بأنه ليس بحاجةٍ لأكثر من فرفته الموسيقية لاحتلال لبنان. كان الهدف الأول من حرب تمّوز عملية برية كاسحة لتمشيط منطقة جنوب الليطاني للقضاء على قوة المقاومة الصاروخية. لم يعتقد أولمرت يومها أن نخبة جيشه المتمثل بلواء غولاني سيمضي ثلاثة أسابيع يتخبط في وحول مثلث البطولة: بنت جبيل - عيترون - مارون الراس، والذي لا يبعد أكثر من كيلومترين عن الحدود مع فلسطين. ثلاثة أسابيع لم تكن كافية لرفع علم اسرائيل في ملعب بنت جبيل حيث ألقى السيد حسن خطاب التحرير عام ٢٠٠٠، فاضطروا للإنسحاب مخلفين خلفهم مئات القتلى والجرحى. تواضعت أهدافهم فجأة من احتلال جنوب الليطاني، إلى احتلال بنت جبيل، وصولاً لتحقيق أي نصر وهمي قد يرفع من معنويات جنودٍ لا يدرون لماذا يقاتلون. ‏

ثانياً، سلاح البحر. جاءت ضربة البارجة حانيت (أو ساعر) بطريقة غير متوقعةٍ على الإطلاق. فقد صدر أمر التنفيذ بكل برودة أعصاب على الشاشة أمام الملايين. حانيت هي واحدة من أكبر ثلاث بارجات في البحرية الاسرائيلية، وقد كان استهدافها ضربة موجعة لسلاح البحر أولاً عبر انكفائه عن الشاطئ واخراجه من اللعبة، وضربة للاستخبارات الاسرائيلية التي فشلت في تقدير قدرة حزب الله الصاروخية في الميدان البحري. حانيت لم تكن الوحيدة، بل كانت واحدة من ثلاث قطع بحرية تم استهدافها. ‏

ثالثاً، سلاح المدرعات. لو كان لوادي الحجير أو سهل الخيام فمان ليتكلّما، لخبّرا قصة مقاومين جعلوا من أقوى دبابةٍ في العالم نعشاً حديدياً يحرق في داخله الغزاة. كانوا يصطادون الميركافا كاصطياد العصافير في موسم هجرتهم. هذه الدبابة التي تزن ٦٤ طناً، باتت فجأة أضعف أسلحة اسرائيل حيث دمّرت أكثر من ٩٧ ميركافا في حرب تمّوز، مما أدى إلى إلغاء عقود بمليارات الدولارات لشرائها. وبدل أن تحمي الجنود المشاة، كان الجيش الاسرائيلي يرسل المشاة أولاً لتأمين طريق المدرعات. لأول مرة في تاريخ اسرائيل، كانت الميركافا تحتمي بالجنود بدل أن يكون الأمر معكوساً. ‏

رابعاً، قدرة المقاومة الصاروخية. كان هدف اسرائيل واضحاً جداً: نزع سلاح المقاومة. إلّا أن المقاومة كانت أكثر كرماً، فارسلت صواريخها إلى اسرائيل دون عنائهم. لأول مرة في التاريخ، يقصف العمق الاسرائيلي. هذا الكيان الذي كان يعتبر مدنه الداخلية أكثر أماكن الأرض أماناً، بات اليوم تحت مرمى صواريخ المقاومة التي قصفت حيفا، وما بعد حيفا: العفّولة، وما بعد ما بعد حيفا: الخضيرة. ‏

خامساً، الحرب النفسية. كانت ثقة الجندي الإسرائيلي بقيادته معدومة، ومعنوايته في الحضيض. لم يكن أحدٌ من الجنود الإسرائيلين يعلم إذا ما كان سيعيش حتى الغد أم لا. فكان الكثير منهم يهرب من أرض المعركة تاركاً سلاحه أو الجرحى أو القتلى دون أي مبالاة سوى البقاء على قيد الحياة. هذه الحالة النفسية وانعدام الروح القتالية كانا سبباً أساسياً لعدم قدرة الجيش خوض المزيد من المعارك، وكان لا بد من وقف العمليات العسكرية بعد ٣٣ يوماً. ‏

سادساً، النتائج. خرجت اسرائيل من الحرب دون تحقيق أي هدفٍ، ودون استعادة الأسرى، وأجبرت بعد عامين أن تطلق سمير القنطار الذي كان ورقتها الأخيرة لمقايضته برون أراد إذا عثر يوماً. المفاجأة الكبرى كانت يوم عملية التبادل، حينما استلمت اسرائيل أمواتاً لا أحياء. يومها ظهرت جلياً عبثية حرب تموز وحماقة القيادة الإسرائيلية على المستوى السياسي وعلى المستوى العسكري. بالإضافة لذلك، حمّلت لجنة فينوغراد رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان المسؤولية الكاملة عن فشل الجيش الاسرائيلي في الحرب. ‏

لقد تلقّت اسرائيل في الجنوب درساً قاسياً جداً سيجعلها تعيد الكثير من حساباتها. ‏
كيف انتصرنا؟ بات يحسب ألف حسابٍ للبنان قبل التفكير في أي عدوان عليه. ‏
كيف انتصرنا؟ بات عدونا يشكّ في نفسه عندما يقف لمواجهتنا. ‏
كيف انتصرنا؟ ما زلنا أقوياء ندافع عن كرامتنا بكل شموخ. ‏
كيف انتصرنا؟ رغم كل الشهداء الأبرار الذين سقطوا، ورغم المجازر الوحشية التي ارتكبت في قانا ومروحين وبئر العبد وغيرهم، أعدنا إعمار بلدنا دون أن نخضع لشروط اسرائيل وأميركا. ‏
كيف انتصرنا؟ كل دول العالم لها جيش، إلّا اسرائيل. هي جيشٌ له دولة. عندما يضرب لبنان اسرائيل في صلب جيشها، فهو يستطيع أن يتفوق عليها في أي شيء آخر. ‏
كيف انتصرنا؟ في ستة أيام احتلت اسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية، وفي ٣٣ يوماً لم تستطع إحتلال شبرٍ من أرضنا. ‏
أما زلت تسأل كيف انتصرنا؟ ‏

إذا كنت تعتقد أن تدمير بعض المباني والجسور هو هزيمة لك، فإنك حتماً لا تدرك ماذا حلّ بلندن في الحرب العالمية الثانية...ورغم ذلك خرجت منتصرة. ‏


كتابة: شادي ذبيان
آب 2012