Wikileaks El Asli -- فيحاء الشمال في قلوب فاجرة

    فيحاء الشمال في قلوب فاجرة


(من مجموعة: مشاركات أصدقاء المدونة)

‏ عزيزتي طرابلس، ‏

‏ عني، عن أهلي ونيابةً عن كل مسلميك ومسيحييك أعتذر أننا سمحنا لهذه القِرَدة أصحاب الذقون الفاجرة أن يقفلوا مدخلك ويؤدوا صلاتهم وخطبة جمعتهم في وسط ساحتك. تلك الخطب التي لا تشبه الخطبة إلا بالاسم، وتلك الصلوات التي ملؤها العهر والفجور. أعتذر عن سماحنا للسلاح أن يعبر حدودك ويتمركز في بعض أحيائك العتيقة وينتشر ليصبح على كل شاشة وحديث كل لسان، ليكبر بعض الحثالة ويجد لنفسه الحق في لفظ اسمك والكلام عنك بالعاطل. ‏

‏ كم أحزن حين أسمع هؤلاء الصغار يسمونك "اسلام اباد"، او يتداولون الحديث عن خطرٍ آتٍ إليهم من الشمال... ما أصغرهم، ما أجهلهم بتخلفهم وما أكبرك بصدرك الرحب، بقلعتك الصليبية وبرجك العربي، بكنائسك وجوامعك، بأسواقك القديمة والجديدة، بمقاهيك العاجة، وبمينائك الخيّر. ‏

‏ يخاف منك هؤلاء الصغار، يجهلون أنك تمثلين قلب لبنان من حضارة عربية وحضارة أخرى صليبة قديمتين وحضارة أخرى مسلمة ومسيحية حديثتتين وحين كانت الحرب الأهلية حرباً طائفية في كل المناطق كانت هنا حرباً حزبية بين بعض الزعران الذين لم يميزوا في همجيتهم بين هذا وذاك. ‏

‏ طرابلس، ما أحن ميناءك حين كنا نهرب من هموم المراهقة واكتشاف الحياة، ما أجمل جزرك حين كنا نمضي أجمل أيام الصيف تحت الشمس الحارقة فرحين نشطين، لا نملك من المال سوى "ألف ليرة أجار التاكسي"، ما أبسط أسواقك حين كنا نجمع مصروفنا اليومي لنشتري الثياب والهدايا لأصحابنا... لي فيك يا طرابلس ما لكل طفل في حضن أمه، ما لكل يتيم في قلب من تبناه؛ جاءك أهلي من قرى عكار المنئية طالبين الثقافة والعلم لأولادهم، ولم تكني يوماً سوى القلب الحنون والصدر الرحب. ‏

‏ "أنت يا فيحاء عندي في العلا قلعة مجدي"، كما قال الشاعر. نعم انك قلعتي، ان مدارسك هي جنة طفولتي وخصوصا تلك راهبات العائلة المقدسة تلك التي جمعتني بأصدقاء حياتي وتلك الجامعة التي جمعتني بالعلم والمعرفة والاصرار، ذلك الصرح الذي أفتخر أني كنت يوماً احدى تلاميذه. أعذريني حين ظننت أن أهلك ليسوا أطيب الناس سامحيني لأني ظننت يوما أن فيك من الطائفية شعرة... فأنا حين رأيت العالم عرفت أين هي الطيبة الحقيقية ومن هو المتعايش الحقيقي. ‏

‏ أعود وأعتذر ويبكي قلبي لرؤية هذه الجحافل العلوج القذرة تقف في وسط ساحتك وقفة الجرذ على ساحة القمامة يشتم ما بقي من طعام الناس لينقض وينتقم بأسنانه من فرحهم ثم يتسلل إلى بيوتهم ليسمم طعامهم ويضرب بيوتهم بأمراضه القذرة . ‏

‏ ثم تأتيك سيارة محطة الجزيرة لتدخل قلب المعركة وتوجه عدستها الى جهة واحدة كي يرى العالم العربي- المدعي السنة سنة رسول الله - الرصاص قادماً فقط من جهة واحدة الى الأخرى لا العكس، ويتبعها تلك المحطات الجاهلة المنغلقة لتصور الجوامع في طرابلس وهي واقفة على ابواب الكنائس المحاذية دون حتى ذكرها! ‏

‏ ما بالهم فيك يا طرابلس فأنت في العلا قلعة مجدي، انت طرابلس الفيحاء. فليرحل عنك هؤلاء السلفيون ليذهبوا الى مرتعهم ليلجؤوا إلى ابائهم الروحيين أولئك الذين أعطوهم المال والسلاح والرجعية، ثم ليرحل عنك اولئك المنغلقون الذين لا همّ لهم سوى تصوير الزعران اصحاب السلاح المتأسلمين. ‏

‏ طرابلس لا تخافي فهذه مرحلة التسنن والتشيع والتمسح ستزول وسيعود أهلك مثالاً لكل لبناني يدعي التعايش ومحبة الآخر. ‏

‏ تصبحين على خير يا حبيبتي، تصبحون على وطن، تصبحون على طرابلس.... ‏

كتابة: سوزان جديد
حزيران 2012