Wikileaks El Asli -- من نحن لولا الصدف؟

    من نحن لولا الصدف؟
















كلما دارت الأرض مرة حول نفسها، دارت الأسئلة في رأسي ألف مرة. ما هي هذه الصدفة التافهة التي جعلتني من هذا القوم بالذات؟ لم يعطني أحد حق الرد حين اختارت الأقوام أبنائها. نزحت مشاعري مني ولم يبق منها إلّا الألم. ايقظت جنوني من صحوته باكياً: ها أنا أنكر قومي اليوم...لا هم قومي ولا أنا منهم. وما أن بزغت الشمس، حتى وضعنا أنا وجنوني بعض الكساء على جسدينا، وانطلقنا نحو الخرافات بحثاً عن قوم جديد لأتحدر منهم.

قوم ينحني أثريائه لفقرائه احتراماً، وكباره لصغاره تواضعاً، ورجاله لنسائه خجلاً. قوم يرفضون مبدأ البدلات المرقطة وأكذوبة العسكر. في الحرب الكل يقاتل وينهش الأعداء كذئاب كاسرة. وفي السلم يندفقون جداول شوق ومحبة. قوم في قلبهم قضية وعلى كتفهم بندقية. لا ينطفئ ما في قلبهم حتى وإن تعبت أكتافهم. قوم في يسارهم منجلاً ليحصدوا به ما زرع آبائهم، وفي يمينهم قدوماً ليبنوا حضارة لأبنائهم. قوم لا يأبهون بالدين ولا بشعائره وطقوسه المستهلكة. ما اجتمع قوم ودين إلّا كان الشيطان ثالثهما.

مرت أعواماً وأعوام، وظللنا نبحث عن ذاك الوطن المنشود. تعب جنوني من المشي، فجلست على حجر وأرحته دهراً ونيف. لا أنس يوم رمقني سائلاً: تبحث عمّا لم يجده أحدهم يوماً، أمجنون أنت؟ فأجبته: بل نحن مجنونان. وأكملنا المسير.

مرت ألف سنة...ألفي سنة...وما زلنا نبحث عن ذاك القوم. لم نترك طريقاً من طرق الخرافات إلّا ومشيناه حفاة. قضينا ليال لم أستطع فيها سماع صوتي من شراسة عواصفها، وقطعنا أراض قاحلة لا حياة فيها سوى للحر والظمأ. تسلقنا الجبال والوعر، ووطأت أقدامنا أراض لم تطئها بشر. ورغم كل ذلك...أكملنا المسير.

مرة أخرى ضاق جنوني ذرعاً مني ومن أحلامي الفضفاضة، فأرحته دهراً آخراً، وشرعت أكتب هذه الكلمات. إني خائف حقاً، أخشى الاستسلام أو الموت قبل أن أدرك ذلك القوم. إن مت يوماً وما زلت على أرصفة الخرافات، أوصيكم أن تجدوا ذلك القوم وتدفنوني في أرضهم. لا أريد أن تصلوا عليّ، فقط إقرؤا لي قصيدة لاعب النرد لمحمود درويش، فكلماتها تشبهني. بدأ يجف قلمي الآن وأوشك العمر أن ينتهي. عليّ أن أوقظ جنوني لنكمل رحلة الألف دهر ودهراً.
عليكم السلام وعليّ الشقاء يا بني البشر



كتابة: شادي ذبيان
أيار 2011