Wikileaks El Asli -- لارا فابيان...وقضيتنا المستعصية

    لارا فابيان...وقضيتنا المستعصية



ملاحظة
أولاً، لقد دأبت في كافة مقالاتي أن اتيع أسلوب المقالة القصيرة، لأني على دراية أن أية مقالة تتخطى عتبة ال٥٠ سطراً لن يتم تصفحها بالكامل. إلّا أنني اسمح لنفسي اليوم بالاسهاب في شرح موقفي لحساسية الموضوع الذي أطرحه.‏

ثانياً، كل مرة نحت قلمي في صخر الأوراق لاخرج مقالة ما، يتم اتهامي إما بالعمالة أو بالجهل أو بالخيانة، أو اتلقى عشرات الشتائم لمجرد أنني أبديت رأيي في قضية ما. ولن تكون هذه المقالة حالة خاصة على الإطلاق، بل إني أعلم من الآن مواقف البعض مني. ولكني لن أتوقف عن الكتابة ما دمت حياً.‏



لم أكن يوماً من محبي الأغنية الفرنسية بشكل عام، ربما لقلة معرفتي بتلك اللغة. ولا يعنيني أيضاً حضور حفل للارا فابيان حتى ولو اعطيت لي بطاقة مجانية لحضورها. ولكني من جهة أخرى لا تعنيني أبداً الموجة السائدة مؤخراً بمقاطعة حفلات بعض الفنانين، وذلك للأسباب التالية:‏

أولاً، إذا كانت مقاطعة الفنانين الذين أحيوا حفلات في اسرائيل تنفع القضية بأي شكل من الأشكال، فإنها تأتي كآخر خطوات النضال بعد مئات الطرق النضالية الأخرى. كل يوم تقتل اسرائيل عشرات الفلسطنيين، وتهدم عشرات البيوت، وتكمل مسيرها في بناء الجدار الفاصل، وتبني ما لا يحصى من المستوطنات على كامل التراب الفلسطيني. ونحن بالمقابل نواجهها بأن نقاطع حفلاً موسيقياً؟!‏

أنا لست ضد منطق ومبدأ مقاطعة الحفل، ولكن هذه المقاطعة تأتي في آخر درجات السلم في قتالنا مع اسرائيل. هذا الكيان الغاصب لا يأبه بأكبر مؤسسة في العالم: الأمم المتحدة، ولا يعنيه شرعة حقوق الإنسان، ولا يتردد أن يستخدم الأسلحة الفوسفورية والأسلحة المحرمة دولياً على المدنيين. بحق أية آلهة سيأبه إذا قاطعنا حفلاً لمغنية فرنسية؟ اسرائيل هذه لا تأبه بالرئيس الفرنسي أصلاً، كيف لها أن تأبه بمغنية؟

لم يتحرر جنوب لبنان بالمقاطعة، ولم يخرج أسرانا بعدم حضور الحفلات. لم نحصل على شيء في هذه الدنيا إلّا بالسلاح والسلاح والسلاح. لم يرحلوا عنّا إلّا عندما ذاق مقاتلينا طعم الدم مجبولاً بالتراب ومعمداً بالرصاص وأصوات البنادق وصرخات الجرحى ونعوش الشهداء. إذا كنتم تعتقدون أن فلسطين ستحرر بهذا النضال "الكلاس"، فلا تتعجبوا أنها بعد ٦٤ عاماً ما زالت محتلة.‏

ثانياً، نعم أنا مع مقاطعة اسرائيل، ولكني مع مقاطعة اسرائيل فقط، ولست مع مقاطعة كل دول العالم. إذا كنتم تريدون مقاطعة كل من يعترف باسرائيل أيضاً، لا تستعملوا إلّا المنتجات اللبنانية والسورية والايرانية، لأن بقية دول العالم كلها تعترف باسرائيل. اخلع ثيابك الأوروبية، وأطفأ هاتفك الصيني، ولا تقد سيارتك الألمانية، ولا تستخدم تلفازك التايواني...وبالتأكيد أطفئ هذه الشاشة التي تنظر إليها الآن، لأن من صنعها يعترف باسرائيل.‏

‏ثالثاً، بالأمس القريب زارت لبنان فرقة سكوربيونز (العقارب) ولم يقاطعها أحد، مع أن هذه الفرقة غنت في اسرائيل. لماذا هذه الانتقائية في المقاطعة؟ وماذا عن كرة القدم أيضاً؟! كل مرة يلعب فريق برشلونة ضد ريال مدريد، يعود اللبناني إلى غرائزه الحيوانية وتعلو الهتافات وترتفع أعلام الفريقين. لن أعلّق أكثر على الموضوع، بل سأكتفي بعرض هاتين الصورتين، لعله يتم إعادة النظر في تعريف كلمة مقاطعة.‏


(جمهور برشلونة يرحب بعودة جيلعاد شليط)


(فريق ريال مدريد يرحب بشيمون بيريز، ويهديه القميص رقم واحد)

في النهاية لا يسعني إلّا أن أقول أن قضية فلسطين أكبر بكثير من مقاطعة حفل لمغنية فرنسية. قضية فلسطين أكبر من فلسطين بحد ذاتها، وأكبر من أن تكون قضية العرب أو المسلمين...إنها قضية إنسانية بالدرجة الأولى.‏

ما دامت هذه وسائلنا بالقتال، سيظل هذا الكيان الغاصب يتوسع أكثر وأكثر فوق ترابنا وجراحنا واسرانا، وسنظل نقطع الأشجار لنصنع منها نعوشنا لأن طيف الحياة بات بعيداً، وكلما قتلونا زاد في البعد أميالاً.‏

عذراً فلسطين، عندما يموتون أطفالك حفاة على الطرقات تحت وابل الرصاص، نساندك بمقاطعة حفل لم يكن أحد يريد حضوره أصلاً. عذراً فلسطين، نحن الذين نهوى الدفاع عنك بالتخلي عن حفنة من كمالياتنا فقط.‏

كتابة: شادي ذبيان
كانون الثاني 2012