Wikileaks El Asli -- الزواج المدني...شوكة في خاصرة رجال الدين

    الزواج المدني...شوكة في خاصرة رجال الدين










ملاحظة: إذا كنت ممن يرفضون النقاش في هذا الموضوع، وإذا كنت تدرك سلفاً أنك لن تغير رأيك، يرجى منك إغلاق هذه الصفحة.‏



وتأتيك الإجابة "لا" قبل أن تنتهي من طرح السؤال...مذهل
كل ما تحتاجه هو أن تحوم حول بعض المواضيع المحرمة في لبنان، حتى ترى نظرية "الرفض التلقائي" قيد التنفيذ. إذ عليّ أن أعترف أني لم أر يوماً أحكاماً مسبقة كتلك التي تطلق على الزواج المدني والعلمانية والشيوعية. وبما أن اللبناني لديه غريزة إبداء الرأي بما يعلم وما لا يعلم، فإنك حتماً تراهم متربصون لك، يراقبون خطواتك في كل شارع وكل زاوية، ليعظوك أن الزواج المدني يعني الزواج من غير دين، والعلمانية هي الكفر، والشيوعية هي الإلحاد. وحفاظاً على جلالة الزواج المدني، وحفاظاً على تماسك الموضوع، سأتطرق إلى العلمانية والشيوعية في مقالات لاحقة.

أمّا بالعودة إلى الزواج المدني. فإن هناك حتماً ما يخيف المجتمع من هذا الموضوع. وبعد إجراء عدة تحليلات وتساؤلات وجدت أن الخوف يكمن في كلمة "مدني". لا أحد يهاب كلمة زواج، فالكل يتقبله بالفرح والزغاريد. الخوف هو من كونه مدني وليس ديني. لذا ولتوضيح هذا الالتباس، ما يقصد بالزواج المدني هو التالي: الزواج المدني هو زواج شرعي قانوني يتم تسجيله بأطر مدنية عبر مؤسسات الدولة المدنية. الفارق الأساس بين الزواج المدني والزواج الديني هو المؤسسة والهيكلية التي يتم الزواج عبرها. يبدو الأمر بسيطاً، ولكن العقدة الأساس تبقى لدى دعاة الجهل وأعداء الانفتاح: رجال الدين. فهم يعلمون علم اليقين أن أي توجه نحو دولة مدنية هو نهاية امبرطوريتهم. ومثل أي مجتمع في دول العالم النايمة (وليس النامية)، يفرض الدين نفسه كأقوى سلطة فكرية تستطيع حكم المجتمع بقبضة من حديد. لذا تصبح التبعية الدينية الملاذ الأوحد لحفظ حقوقك وإدارة شؤونك الخاصة والعامة.

وفي حين أن السلطة تبقى سرطان المجتمع الأول، تدهشني دائماً قوة سرطان المجتمع الثاني: المال. فبعد الإمساك بالمجتمع وتسييره حسب مصالحهم الطائفية الضيقة، يحين وقت إطلاق جشعهم الآخر لجمع الأموال. فالحرم الذي باع صكوك الغفران سابقاً من أجل جني الأموال، لن يغير عقيدته يوماً من أجل مصلحة المجتمع. ومن البديهي أنهم يصلون إلى ذروة سيطرتهم من خلال السلطة والمال وتبعية المجتمع لهم. فحين يجدون من يشكك بسلطتهم، ويقترب ولو من بعيد إلى أموالهم أو إلى تبعية الناس لهم، فإنهم حتماً سيلعبون ضده ورقة معاداة الله والأديان السماوية.

الزواج المدني حتماً يقوض دعائم رجال الدين في لبنان. إذ أنه يخلق فسحة أمل لشريحة كبيرة من المجتمع للزواج بعيداً عن ضوضاء الدين وصخبه. وعلى صعيد آخر، فإنه بلا شك سيخسر المؤسسات الدينية الملايين من الدولارات سنوياً، وسيزعزع الولاء الديني/الطائفي الأعمى. لكن الحجة تطرح دائماً من منطلق أن الزواج المدني غير شرعي دينياً، وهذا الأمر غير صحيح إطلاقاً لسببين:

أولاً، أساس الشرعية الدينية للزواج هو الرضى والإشهار. وأعتقد أن عامل الإشهار في الزواج المدني أصلب بكثير من الإشهار في زواج المتعة والزواج المسيار وغيرهم.

ثانياً، الطقوس الدينية. إذا الزواج الديني كان مسيحياً أو إسلامياً، فإنه يتبع بعض التقاليد والعادات الدينية التي تجعل منه شرعياً في هذا الدين أو ذاك. وبالتالي إذا أردت منح الزواج المدني هذه الشرعية الدينية، فلديك كامل الحرية لإجراء أي طقوس دينية من دون وجود أي تضارب مع مبدأ المدنية في الزواج المدني. ولكن الفارق البسيط هو أن الدولة لا تعترف بهذه الطقوس لتسجيل الزواج، تماماً مثل عدم اعترافها بالخطوبة كمرحلة ما قبل الزواج، أو بحفل الزفاف كخطوة لإعلان الزواج.

لو كان رجال الدين يأبهون حقاً لمصلحة المجتمع، لأدركوا أن الزواج الديني هو خرق فاضح للدستور في لبنان، ولربما كانوا قد لاحظوا أن مقدمة الدستور تنص على التالي "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية (...) تقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين". فالزواج الديني لا يحقق المساواة بين جميع المواطنين إن على صعيد تعدد الزوجات، أو على صعيد إمكانية الطلاق.

برغم أنه مدني...تراهم يهاجمونه وكأنه حربي. يجهدهم...يزعج عماماتهم...يقلق صروحهم الذهبية وقببهم المزخرفة. سيظل الزواج المدني طرحاً علمانياً مدنياً حتى يصبح حقيقة في لبنان قريباً. وسيظل أصحاب اللحى يجابهونه فكرياً لفرض الخيار الديني على المجتمع، ولكنهم تناسوا أن الحرية وجدت قبل أن توجد دياناتهم وقببهم وأجراسهم...وستبقى دوماً تجابه قمعهم ومصالحهم وآراء خرافهم.


كتابة: شادي ذبيان