Wikileaks El Asli -- علّمنا الحريري كيف يكون موت الأثرياء

    علّمنا الحريري كيف يكون موت الأثرياء










إنهم الكبار الذين يحركون البلد، يضعون قوانين اللعبة، ويبطشون كل من يقف لمواجهتهم. بعضهم سياسيون والبعض الآخر لا يظهر إلا نادراً، ولكن تجمعهم ثرواتهم التي لا تحصى، ومصالحاً مشتركة ترزح بثقلها على أكتاف الفقراء، وأقلاماً غالباً ما تستخدم لتوقيع صفقات لتزيد البلد ديناً، وليصبح الوطن فريسة أسهل للضغوطات الخارجية.

هو كان من هذا اللوبي إن لم يكن رئيسه ومرشده الروحي. وهو الذي صنف بين أغنى مئة رجل في العالم، في بلد يتشاطر معظم أبنائه سريرهم مع فقرهم في كل ليلة. هو الذي يصر مؤيديه على ربط إسمه بإعمار لبنان ويرفضون ربطه ب 16 مليار دولار أضيفت إلى الدين العام بين عامي 92 و 98 حين كان رئيساً للحكومة. هو رجل الأعمال الذي يعرف كيف يحول شركات مديونة إلى شركات مربحة، بينما يحول دولة مديونة إلى دولة مديونة أكثر. ورغم كل العز الذي وصل له، فقد مات مثل أي شخص آخر. على الأقل هذا ما اعتقدناه قبل أن ندرك أنه مات موتاً مختلفاً...إنه موت الأثرياء.

من ظن أن لا طبقية في الموت عليه أن يعيد النظر في رأيه. كما تعيش تحت وطأة الطبقية في هذا المجتمع القذر، تموت تحت وطأتها أيضاً. "عفى الله عما مضى ما عدا الجرائم السياسية" هذا كان شعار مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. بمعنى آخر، إذا كنت فقيراً ودون سلطة بتكون طلعت بجلدك. هذه هي المعادلة في غابة نسيت أبرياء قتلوا في قانا الجليل وانشغلت بموت رأسمالي دفن في وسط بيروت مع حراسة له حتى بعد موته، بينما تشارك كل ثلاثة شهداء في قانا تابوتاً واحداً.

وبعد موت الرأسمالي، انشغل العالم بمحكمة أقل ما يقال فيها أن الولايات المتحدة ستستخدمها لمصالحها الخاصة ولاشعال فتيل الحروب في بقعة من العالم مفعمة بالثروات والأخطار على اسرائيل. هل يكترث أوباما حقاً لمن قتل الحريري؟ هل يأبه لمن قتل الحريري، بينما يحرك العالم كالدمية من مكتبه؟ فقد غزت الولايات المتحدة دول الخليج عام 1990 لسرقة نفطها، ثم غزت أفغانستان لسرقة حقول مخدراتها، ثم غزت العراق لسرقة نفطه مجدداً، وأشعلت الحروب في لبنان وفيتنام والسودان وغيرهم، وفككت أعظم دولة في العالم آنذاك الإتحاد السوفياتي من أجل مصالحها. بحق أية آلهة ستكترث لمن قتل الحريري؟

بعد التهديد باتهام سوريا، التي أرغمت على تغيير سياستها الخارجية للإفلات من أصابع اتهام المحكمة، أصبحت ورقة اتهام حزب الله الورقة الأنسب للولايات المتحدة لخدمة حليفتها التاريخية اسرائيل. إذا كان حزب الله هو فعلاً من قتل الحريري واتهمته المحكمة بذلك، فهو حتماً ليس من باب احقاق الحق، بل من منطلق مصالح سياسية يلعبها الكبار على مسرح دول العالم الثالث.

يا شعباً أردت الذل لك عنواناً، يا ليتك طالبت بمحكمة لمعرفة من سرقك وشردك وأذلك واغتصبك وأرداك قتيلاً بين الظلم والفقر على أرصفة الطرقات. ليتك طالبت بمحكمة من أجل أطفال لبنان والعراق وفلسطين والسودان وأريتريا وراوندا والصومال. تباً لك يا شعبي. تعيش في عالم أخذه موت ثري من أثريائه، وتناسى شعوباً تموت على مرأى الدنيا كلها. قتل امرئ فى غابة جريمة لا تغتفر...وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر.


كتابة: شادي ذبيان