Wikileaks El Asli -- فوضى وحرية وديكتاتورية وأديان

    فوضى وحرية وديكتاتورية وأديان



إنها تلك اللعبة الأزلية بين الإنسان ومجتمعه. بعضنا تقمعهم عادات إجتماعية قديمة لا يدرون من أين نبعت، وبعضنا الآخر يعيش في عزلة من محيطهم. بعضنا يتأقلم، وبعضنا يستمتع، والبعض كل ما يربطه بمجتمعه هو وجوده الجغرافي ليس إلّا. تعددت المجتمعات، والكره واحد. ورغم ذلك، جميع المجتمعات تشبه بعضها عن طريق نشوء أيديولوجية معينة تمسك بالمجتمع لتتحكم بناسه، أو تفلته ليتحكم الناس بمجتمعهم. إذا أعدت النظر في هذه الأيديولوجيات، ستراها تتقلص الى أربع: فوضى وحرية وديكتاتورية وأديان. ‏

في المجتمعات التي تحكمها الفوضى، يعيش المرء بلا أي ضوابط ترسم أطر حركته في المجتمع. في هذه المجتمعات تستطيع أن تفكر بما شئت وأن تتكلم ما شئت بدون أي إعتبارات للإختلافات العنصرية أو الطائفية أو غيرها. مثلاً، يستطيع أي امرئ يمشي على الرصيف أن يتكلم بأقذر الكلمات العنصرية مع عمال أجانب لأنه، حسبما يعتقد، حر فيما يقول. إنها أسوأ وأتفه أنواع الحرية. في مجتمعات الفوضى، تستطيع أن تفكر بما تشاء وأن تقول ما تشاء كما في لبنان والعراق. ‏

في المجتمعات التي تحكمها الحرية، يتم التعامل مع المرء كإنسان بغض النظر عن دينه، أو عرقه، أو جنسيته، أو لونه، أو ميوله الجنسية، أو ماله، أو حتى شكله الخارجي. في مجتمعات الحرية، تستطيع أن تفكر بما تشاء ولكنك تعبر عنه ضمن أطر إحترام الآخر كما في السويد والنروج وفنلندا وسويسرا. ‏

في المجتمعات التي تحكمها الديكتاتورية، يسمح فقط بالتعبير عن الآراء التي تندرج كتكرار لنفس الأفكار والمبادئ التي تزرعها الديكتاتورية في عقول الناس. مثلاً، في حكم صدام حسين كان كل الشعب يهتف بإسمه، ولكن عندما سقط تمثاله في وسط بغداد، تسابقت الأحذية لتطبع قبلات الحقد عليه. في مجتمعات الديكتاتورية، تستطيع أن تفكر بما تشاء ولكنك لا تستطيع أن تقول شيئاً، فتبقى أفكارك تتخبط مع نفسها داخل جمجمتك وتعد على حائط عمرك أيام السجن، كما في سوريا والأردن والجزائر والمغرب. ‏

ثم تأتيك أخطر أنواع المجتمعات في العالم، المجتمعات الدينية. هنا فقط تصبح أبسط الأمور كالتفكير بما تشاء خطيئة بحد ذاتها. في هذه المجتمعات لا تستطيع التفكير بامكانية وجود خلل في كتاب هذا الدين، أو التفكير بفرضية عدم وجود الله، أو نظرية تطور الجنس البشري عندما تتعارض مع الدين، أو مئات من الأفكار الأخرى. حينها فقط تجد أن القيود التي كانت تلقي بثقلها على فمك باتت الآن تحكم قبضتها على عقلك وأفكارك وكيانك. في المجتمعات الدينية، لا تستطيع حتى أن تفكر بما تشاء ولا أن تقول ما تشاء، كما في السعودية وإيران. ‏

التغيير ليس مهماً بحد ذاته بقدر أهمية أي مجتمع سترسو على شواطئه بعد التغيير. إذا كانت ثورتك تغيبر من مجتمع ديكتاتوري إلى مجتمع ديني كما في مصر، أو من ديكتاتورية إلى فوضى كما في ليبيا، فبئس هكذا ثورات وبئس هكذا تغيير. إن الشعوب بطبيعتها تطمح إلى التغيير كل بضعة عقود، وفي المقابل تريد تلك الدول الكبرى أن تبقيها متخلفة لتحكم قبضتها وتفرض هيمنتها وتوسع نفوذها أكثر وأكثر. فينتهي الأمر بنشوء ثورات ترضي الإثنين. ثورات تشبع أحلام الشعوب بالتغيير، فيما تبقيها في خانة المجتمعات المتخلفة كما تريد تلك الدول الكبرى. عندها، تطفو على سطح الماء ثورات ليس بهدف تطوير المجتمع، إنما بهدف تغيير وجه التخلف من وإلى حكم الفوضى أو الديكتاتورية أو الدين. ‏

وبكل أسف، هكذا يدار العالم. ‏
وبكل أسى، هكذا تستغل الثورات. ‏
وبكل حزن، في ثوراتنا، كلما قصرت أعمار الثائرين، طالت لحى رجال الدين الكاذبة. ‏

كتابة: شادي ذبيان
نيسان 2012